فصل: الطرف الأول في الصدقات الملوكية وما في معناها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الفصل الرابع من الباب الأول من المقالة العاشرة في الصدقات:

وفيه طرفان:

.الطرف الأول في الصدقات الملوكية وما في معناها:

قد جرت العادة أنه إذا تزوج سلطان أو ولده أو بنته أو أحجد من الأمراء الأكابر أو أعيان الدولة أن تكتب له خطبة صداق تكون في الطول والقصر بحسب صاحب العقد، فتطال للملوك وتقصر لمن دجونه بحسب الحال.
وهذه نسخة صداق كتب به للملك السعيد بركة، ابن السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري، على بنت الأمير سيف الدين قلاوون الصالحي الألفي قبل سلطنته، بالقلعة المحروسة، من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر؛ وهي: الحمد لله موفق الآمال لأسعد حركة، ومصدق الفأل لمن جعل عنده أعظم بركة، ومحقق الإقبال لمن أصبح نسيبه سلطانه وصهره ملكه الذي جعل للأولياء من لدنه سلطاناً نصيراً، وميز أقدارهم باصطفاء تأهله حتى حازوا نعيماً وملكاً كبيراً وأفرد فخارهم بتقريبه حتى أفاد شمس آمالهم ضياء وزاد قمرها نوراً، وشرف به وصلتهم حتى أصبح فضل الله عليهم بها عظيماً وإنعامه كثيراً، مهيئ أسباب التوفيق العاجلة والآجلة، وجاعل ربوع كل إملاك من الأملاك بالشموس والبدور والأهلة آهلة، جامع أطراف الفخار لذوي الإيثار حتى حصلت لهم النعمة الشاملة وحلت عندهم البركة الكاملة.
نحمده على أن أحسن عند الأولياء بالنعمة الاستيداع، وأجمل لتأميلهم الاستطلاع، وكمل لأخيارهم الأجناس من العز والأنواع، وأتى آمالهم بما لم يكن في حساب أحسابهم من الابتداء التخويل والابتداع، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة حسنة الأوضاع، ملية بتشريف الألسنة وتكريم الأسماع، ونصلي سيدنا محمد الذي أعلى به الأقدار، وشرف به الموالي والأصهار، وجعل كرمه داراً لهم في كل دار، وفجره على من استطلعهم من المهاجرين والأنصار مشرق الأنوار، صلى الله عليه وعليهم صلاة زاهية الأزهار، يانعة الثمار.
وبعد، فلو كان اتصال كل شيء بحسب المتصل به في تفضيله، لما استصلح البدر شيئاً من المنازل لنزوله، ولا الغيث شيئاً من الرياض لهطوله، ولا الذكر الحكيم لساناً من الألسنة لترتيله، ولا الجوهر الثمين شيئاً من التيجان لحلوله؛ لكن يتشرف بيت يحل به القمر، نبت ويزوره المطر، ولسان يتعوذ بالآيات والسور، ونثار يتجمل باللآليء والدرر؛ ولذلك تجملت برسول الله صلى الله عليه وسلم أصهاره وأصحابه، وتشرفت أنسابهم بأنسابه، وتزوج صلى الله عليه وسلم منهم، وتمت لهم مزية الفخار حتى رضوا عن الله ورضي عنهم.
والمرتب على هذه القاعدة الفاضلة نور يستمده الوجود وتقرير أمر يقارن سعد الأخبية منه سعد السعود، ولإظهار خطبة تقول للثريا لانتظام عقودها: كيف، وإبراز وصلة يتجمل يتم بها- إن شاء الله- كل أمر سديد، ويتفق به كل توفيق تخلق الأيام وهو جديد، ويختار لها أبرك طالع: وكيف لا تكون البركة في ذلك الطالع وهو السعيد؟.
وذلك بأن المراحم الشريفة السلطانية أرادت أن تحصن المجلس السامي بالإحسان المبتكر، وتفرده بالمواهب التي يرهف بها الحد المنتضى ويعظم الجد المنتظر، وأن ترفع من قدره بالصهارة مثل ما رفعه صلى الله عليه وسلم من قدر صاحبيه: أبي بكر وعمر، فخطب إليه أسعد البرية، وأمنع من تحميها السيوف المشرفية، وأعز من تسبل عليها ستور الصون الخفية، وتضرب دونها خدور الجلال الرضية، وتتحمل بنعوتها العقود: وكيف لا؟وهي الدرة الألفية؛ فقال والدها وهو الأمير المذكور: هكذا ترفع الأقدار وتزان، وكذا يكون قران السعد وسعد القران!!!؛ وما أسعد روضا أصبحت هذه المراحم الشريفة السلطانية له خميلة!، وأشرف سيقاً غدت منطقة بروج سمائها له حميلة!، وما أعظمها معجزة آتت الأولياء من لدنها سلطاناً!، وزادتهم مع إيمانهم إيماناً! وما أفخرها صهارة يقول التوفيق لإبرامها: ليت!، وأشرفها عبودية كرمت سلمانها بأن جعلته من أهل البيت!.
وإذ قد حصلت الاستخارة في قدر المملوك، وخصصته بهذه المزية التي تقاصرت عنها آمال أكابر الملوك؛ فالأمر لملك البسيطة في رفع درجات عبيده كيف يشاء، والتصدق بما يتفوه به هذا الإنشاء؛ وهو: بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب مبارك تحاسدت رماح الخط وأقلام الخط على تحريره، وتنافست مطالع النوار ومشارق الأنوار على نظم سطوره، فأضاء نوره بالجلالة وأشرق، وهطل نوءه بالإحسان فأغدق، وتناست فيه أجناس تجنيس لفظ الفضل فقال الاعتراف: هذا ما تصدق، وقال العزف: هذا ما أصدق مولانا السلطان: أصدقها ما ملأ خزائن الأحساب فخاراً، وشجرة الأنساب ثماراً، ومشكاة الجلالة أنواراً، وأضاف إلى ذلك ما لولا أدب الشرع لكان أقاليم ومدائن وأمصاراً فبذل لها من العين المصري ما هو باسم والدها قد تشرف، وبنعوته قد تعرف، وبين يدي هباته وصدقاته قد تصرف.
وهذه نسخة صداق المقام الشريف العالي السيفي أنوك، ولد السلطان الشهيد الملك الناصر محمد بن قلاوون على بنت المقر المرحوم السيفي بكتمر الساقي. وكان العاقد قاضي القضاة جلال الدين القزويني، وألقابل السلطان الملك الناصر والد الزوج؛ وهي: الحمد لله مسير لشمس والقمر، ومسير حياة كل شيء باتصال الروض بالمطر، ومبشر المتقين من دراري الذراري بأسعد كوكب ينتظر، وأحمد عاقبةٍ تهتز لها أعطاف عظماء الملوك على كبر، وتنجاب عن الأنجاب كما تتفتح الأكمام عن الثمر، الذي مد الشجرة المباركة الملوكية فروعاً التفت بعضها على بعض، ورفت على من استظل بها فراقب السماء على الأرض.
نحمده على نعمه التي أطابت لنا جنى الغروس، وأطالت منا منى النفوس، وأطافت بملوكنا حتى مدت لسؤالهم الأيدي وخضعت لأمرهم الرؤوس، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك شهادة نتخذها عصمةً نافعة، ونعمة لحسن العاقبة جامعة، ورحمة تبارك على أئمتنا وعلى أبنائهم البدور الطالعة، والأنوار الساطعة، والبروق اللامعة، والغيوث الهامعة، والسيول الدافعة، والأسود التي هي عن حرم حضرتها مانعة، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أزان من تمسك له بحسب، وشرف من اعترى إليه بالقربى أو اعتز منه بصهر أو نسب، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذي أرضاهم ورضي عنهم، وكرمهم بصلته الشريفة لما زوجهم وتزوج منهم، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد، فإن من عادة الغمام أن يتفقد الأرض بمطره، والبحر أن يسقي الزروع بما فاض من نهره، والمصابيح أن تمد بأنوارها ما يتوقد، والسماء أن لا يخلو أفقها من اتصال فرقد بفرقد؛ ولو توقفت الفربى على مقارنة كبير، أو مقارنة نظير، لما صلحت الأغماد لمضاجع السيوف ولا دنت الكواكب من الشمس والقمر المنير، ولا صافحت يمين شمالاً، ولا جاوزت جنوب شمالاً، ولا حوت الكنائن سهاماً، ولا جمع السلك للجواهر نظاماً، ولا طمح طرف إلى غاية، ولا قدر لسان إنسان على تلاوة سورة ولا آية؛ وإنما الصدقات الشريفة الملوكية لها في البر عوائد، وفي الخير سجايا يقتدي فيها الولد بالوالد.
ولم يزل من المقام الشريف، الأعظم، العالي، المولوي، السلطاني، الملكي، الناصري، أعز الله سلطانه على من لاذ به تسبل ذيول الفخار، وتودع في هالات أقمارهم ودائع الأنوار، وتؤهل أهلتهم لأن يكون منها أحد الأبوين لذريته الأطهار، وتخطب من حجبهم كل مصونة يغور بها بدر الدجى وتغار منها شمس النهار.
وكان من تمام النعمة الشريفة السلطانية، الناصرية، على من تعرض لسحابها الماطر، ووقف للاغتراف من بحرها الزاخر- ما رفعت به ذكره إلى آخر الأبد، ولأتمت له السعادة إذ كان يعد في جدود من ينسب إليه من ولد، وأكدت له بالقربى مزية مزيد، واستخرجت من بحره جوهرة لا يطمح في التطوق بها كل جيد، وقالت: نحن أحق بتكميل ما بيننا، وتخويل الخؤولة من أولينا، وتأهيل من قر بنا عيناً وقربناه إلينا، وتفضيل غرس نعمة نحن غرسناه واجتنينا ثمراته بيدينا، فاقتضى حسن الاختيار الشريف الملكي الناصري، لولده المقام العالي السيفي، أحسن الله لهما الاختيار، وأجرى بإرادتهما اقتدار الأقدار- أن تزف أتم الشموس إلى ستوره الرفيعة، وتصان أكمل معاقل العقائل بحجبه المنيعة، وتحاط أشرف الدرر في مستودعه، وتناط أشرف الدراري بمطلعه، وتساق إليه الكريمة حسبا، العظيمة بأبيه- عظم الله سلطانه- أبا، الذي كم له في خدمة الدولة القاهرة من مناقب كالنجوم، ومذاهب تشبه بها البرق فتشبث بأذيال الغيوم، ومراتب تقدم فيها على كل نظير قال: وما منا إلا من له مقام معلوم؛ من قدره لا يسامى ولا يسام، ورأيه لا يرامى ولا يرام، وسيفه في غير طاعتنا الشريفة لا يشيم ولا يشام، وهو سيف الدولة لا كما يسمى به من استعار هذا اللقب في سالف الأيام؛ كم له في مراضى سلطانه من رغبة بذل بها ما لديه، وسمح فيها بولده وهو أحب شيء إليه، وجاد بروحه أو بما هو أعز عليه؛ كم نبهت بعزائمه السيوف من سناتها؛ وكم وهبت من مكارمه الأيام ما يعد من حسناتها؛ كم التهبت صورامه ناراً فجرت من جنباتها؛ كم لسماء الملك بشهبه من حرس، وبقضبه من قبس، وكم قام وقعد في مصلحة وكان أدناهم من ملكه مقاماً لما قام وأعلاهم مجلساً لما جلس، فسمع المقام العالي السيفي وأطاع، وانتهى إلى ما برزت به مراسم والده- أنفذها الله- وامتثل أمره المطاع، وعمل برأيه الشريف وهو ناصر السنة فقدم فيها ما استطاع، وسارع إلى ما أمر الله به من الألفة والاجتماع، واتبع السنة النبوية في تكثير الأمة بذرية أئمة ملوكية كل واحد منها له الأمة أتباع، لعلمه اليقين أنه لو خطب له والده في أقطار الأرض إلى جميع الملوك، لم يجد منهم إلا كل ملك عظيم وهو له عبد مملوك، فأحيى سنة شريفة ملوكية ما برحت الخلفاء والملوك تحفظ بها قلوب أوليائها على أمداد المدى، ويكفي من هذا ميمون فعل المأمون لما تزوج بوران من أبيها ابن سهل وخطب المعتضد إلى ابن طولون ابنته قطر الندى.
ورأى والدها أعزه الله تعالى قدراً هاله مهابة فسلم وقال: للمالك التصرف وللملك التصريف، وإذا اقتضى حسن النظر الشريف تشريف عبد فياحبذا التشريف، ويا حبذا السبب الذي اتصلت له بالمقام الشريف الأسباب، واحتفلت للاجتماع على سنة وكتاب، فتحاسدت على إثباته صفر الأصائل وحمر النعم، وتنافست على رقم سطوره صحائف السحاب وصفيح الماء وصليل السيف وصرير القلم، وتمنت الكواكب لو اجتمعت في يومه المشهود، والمناقب لو أنها حولها بمقانب خافقة البنود، وودت نسمات الأسحار لو كانت هي التي سعت بالاتفاق، والحمائم لو أبيح لها أن تغرد وتخلع ما في أعناقها من الأطواق، بل السيوف لما رأت مقام الجلالة أغضت وغضت الأحداق، والرماح لما بدا لها سرير الملك مائلاً وقفت على ساق.
فبرزت المراسم الشريفة- زادها الله شرفاً- بتحرير هذا الكتاب الكريم، وتنضيد ما يصلح من الدرر لهذا العقد النظيم، ونفذ المرسوم العالي المولوي السلطاني ما أمر به وصدق، وتأدب إجلالاً لمقام أبيه الشريف فأطرق، وتواضع لله فلم يقل: هذا ما تصدق، بل قال: هذا ما أصدق المقام العالي السيفي أنوك ابن مولانا السلطان الأعظم، مالك رقاب الأمم، الملك الناصر، السيد الأجل، العالم، العادل، الغازي، المجاهد، المؤيد، المرابط، المثاغر، المظفر، المنصور، الشاهنشاه، ناصر الدنيا والدين، سلطان الإسلام والمسلمين، محيي العدل في العالمين، منصف المظلومين من الظالمين، ملك البسيطة، ناصر السنة، ركن الشريعة، ظل الله في أرضه، القائم بسنته وفرضه، وارث الملك، ملك العرب والعجم والترك، خداوند عالم باشاده بني آدم، بهلوان جهان، وشهريار إيران، اسكندر الزمان مملك أصحاب المنابر والأسرة والتخوت والتيجان، فاتح الأقطار، واهب الممالك والأقاليم والأمصار، مبيد البغاة والطغاة والكفار، صاحب البحرين، حامي الحرمين، خادم القبلتين، كفيل العباد والعباد، مقيم شعائر الحج والجهاد، إمام المتقين، قسيم أمير المؤمنين، أبي المعالي محمد بن السلطان الشهيد الملك المنصور، السيد، الأجل، العالم، العادل، المجاهد، المؤيد، سيف الدين، والد الملوك والسلاطين، أبي الفتوح قلاوون، خلد الله سلطانه، ونصر جنوده وجيوشه وأعوانه: الحجاب الكريم، الرفيع، المنيع، المصون، المكنون، الجهة المكرمة، المفخمة، المعظمة، بنت الجناب الكريم، العالي، الأميري، الأجلي، الكبيري، العالمي، العادلي، الممهدي، المشيدي، الزعيمي، المقدمي، الغياثي، الغوثي، الذخري، الأوحدي، الظهيري، الكافلي، السيفي، ركن الإسلام والمسلمين، سيد الأمراء في العالمين، نصير الغزاة والمجاهدين، زعيم الجيوش، مقدم العساكر، عون الأمة، غياث الملة، ممهد الدول، مشيد الممالك، ظهير الملوك والسلاطين، عضد أمير المؤمنين، بكتمر الساقي الناصري، ضاعف الله نعمته.
أصدقها ما تلقت به أنسابها إجلالا، وبلغت به أحسابها جمالا، وطلعت في سماء الملك هلالا، ولبست فخارا، وقبست أنوارا، وأوت إلى حصن حصين، ووصلت إلى مقام أمين، وآبت بأموال وبنين، ما لولا أدب الشرف، وتجنب السرف، والعمل بالشرع في تعيين معلوم، وتبين مقدار مفهوم، لخرج عن كل وصف محدود، وقدر معدود، ولما قام به موجود، ولكان مما تقل له الممالك ولا يستكثر لأجله الوجود.
قدم لها من الذهب العين المصري المسكوك ما هو بنقد ممالك والده معروف، ومن حقوقه مقبوض وفي هباته مصروف، ما يحمد مآلا، وينمى مالا، ويأتي كل دينار منه ووجهه بذكر الله واسم أبيه يتلالا.
أصدقها على بركة الله تعالى وعونه وتوفيقه كذا وكذا، عجل لها كذا وكذا، قبضة وكيل والدها من وكيله، قبضاً تاماً كاملاً، وتأخر بعد ذلك كذا وكذا ديناراً حالاً، على ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان: {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}.
وولي تزويجها منه على الصداق المعين بإذن والدها- أعزه الله تعالى- المقدم ذكره: - العبد الفقير إلى الله تعالى، قاضي القضاة، حاكم الحكام، خطيب خطباء المسلمين، جلال الدين، خالصة أمير المؤمنين، أبو المعالي، محمد ابن قاضي القضاة سعد الدين أبي القاسم، عبد الرحمن ابن الشيخ الإمام العالم العلامة إمام الدين، أبي حفص عمرو بن أحمد القزويني الشافعي، الحاكم بالديار المصرية المحروسة وأعمالها وبلادها، وجندها وضواحيها، وسائر الممالك المضافة إليها، بالولاية الشرعية أدام الله أيامه، وأعز أقضيته وأحكامه، فقبل مولانا السلطان- خلد الله ملكه- لولده المسمى- أدام الله تعالى نعمته- ذلك منه قبولاً شرعياً، يخاطب عليه شفاهاً بحضور من تم العقد بحضوره، في دار الملك بالقصر الأبلق، بقلعة الجبل، حرسها الله تعالى، بكرة يوم السبت حادي عشرين من صفر سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة.
وهذه نسخة صداق المقر الشريف إبراهيم ابن السلطان الشهيد الملك الناصر محمد بن قلاوون، من إنشاء المقر الشهابي بن فضل الله؛ وهي: الحمد لله مغني الملوك بالمظافرة، ومكثر زينة الأسماء بنجومهم الزاهرة، ومكبر أقدار الأولياء بما تمت النعمة به من شرف المصاهرة.
نحمده على نعمه التي شرفت قدراً، وصرفت أمراً، وأطلعت من هالة البدر المنيري شمساً لا تتخذ غير الأفق خدراً، ولا تتمنى الليالي والأيام إلا أن تقلدها من الأشعة ياقوتاً ومن الكواكب دراً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تجمع من حماة الدين نسباً وصهراً، وترفع في أنباء الأبناء لها حسباً وذكراً، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي عصم به، وخص صفوة الخلق في المصاهرة باختلاط نسبهم بنسبه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تستوثق بها الأسباب، وتستوسق الأنساب وتبقى أنوارها بملك أبناء الملوك كلمة باقية في الأعقاب، وسلم تسليماً كثيراً.
وبعد، فلما جمع الله بملوك البيت الشريف المنصوري- كثر الله عددهم- شتات الإسلام، ومحا ببوارق جهادهم ما امتد من ظلام، حتى انتهت النوبة إلى من أصبحت به الدولة القاهرة وكل أوقاتها أنوار صباح، ونوار أقاح، وسماء سماح، وأسمى نعم لا تعد إلا معاقد تيجان الملوك على كل جبين وضاح، المقام الشريف العالي المولوي، السلطاني، الملكي، الناصري، زاد الله شرفه، وأعلى على شرفات بروج السماء غرفة، فأحب- لما أجراه الله به وبمن سلف من ملوك بيته لشريف من تأييد هذه الأمة، وتأييد ما شملها بفتوحاتهم المذهبات الفتوح من سوابغ النعمة، أن يعمل بقول نبيه المشرف بموافقة اسمه ومتابعة حكمه في التزويج، وأن تقع مواقع أمطاره على كل أرض حره فتنبت كل زوج بهيج. وكان من بنيه- أدام الله سعودهم- من يطيع في كل أمر أمره العالي أدام الله تمكينه، ولولا هذا لما رضي سوىأقران الفرسان له قرينة، وكان من نجبائهم إذا عدت الأولاد، وأحبائهم إذا كان كما يقال: الولد ثمرة الفؤاد؛ ومن هو لجملتهم جمال، ولدولتهم دلال، ولغابهم أسد الأشبال- من يعترف كل من عرفه بفضله، ويؤمل في أبناءه ما لأبناء سميه إبراهيم صلى الله عليه وسلم من بركة نسله.
برز المرسوم الشريف العالي، المولوي، السلطاني، الملكي، الناصري، أنفذه الله في الأقطار بأن يتخير لمغرسه الكريم، ونسبه الصميم، وصباحه المشرق، وسماحه المغدق، فصادف الإحسان موضعه، وانتخب له من مشرق البدر التمام مطلعه، ومن هو من هذه الدولة القاهرة على الحقيقة باليمين، ومن هو البحر الزاخر ومن مكنونه يستخرج أفخر الثمين، فبادر الخاطب إليه إلى اغتنام هذا الشرف الذي لا يطأول، وعاجل هذه النعمة التي لولا فضل الله وصدقات سلطانه- خلد الله ملكه- ما كانت مما تحأول، وقال: إن رضيت تلك الستور بهذه المخطوبة، أو أهلت تلك السماء العالية هذه المحجوبة، فهي لما أهلت له في خدمة ذلك المقام الأمين، وهي كما شاء مالكها المتصدق من ذوات العفة وإلا فهي مما ملكت اليمين، فأتمت الصدقة الشريفة عوارفه بما هو أشرف مقاما، وأعظم لها في رتبة الفخار فهي تسمو بهذا ولا تسامى، وشرفته بما وصلت إليه عند المقر الشريف من المقام الكريم، ولم تكن إلا من ذوات العقود ولا كيد ولا كرامة لما ينجلي به الليل البهيم، ولا لما يتحلى في جيد الجوزاء من عقد درها النظيم، ولولا إجلال المقام عن التطويل لما اختصر القائل فقال: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أصدق.. إلخ..........................